فول وفلافل ...

"
أستيقظ من نومه كالعادة على صوت المذيع وموسيقى البرنامج ( المميزة ) فقام وجلس على سريره نصف نائم وهو يتمتم فى نعاس:
" يادى البرنامج اللى بقالهم سبع تلاف سنة بيعرضوه ولاغيروه ولاغيروا الموسيقى ولاحتى المذيعين..ده ولا الأهرامات! "
فتح عيناه فى بطء وهو ينظر إلى شاشة التلفزيون التى حملت صورة مذيعة غطى وجهها المكياج الكثيف قبل أن يتابع:
" بردو نفس المذيعات اللى مغرقين وشهم جير وداهنينه بويا دول! يكونوش بيروحو لعم سيد النقاش عالصبح يخدوا وش! "
" صباح الخير يامصر...صباح العسل يامصر...صباح السكر يامصر...صباح الحلاوة والشقاوة على الناس النقاوة...صباح مليان أفراح من غير جراح واللى راح راح...صباح الخير على كل طالب أمور رايح مدرسته...وبفكر نونا بنتى حبيبتى انها تشرب اللبن قبل ماتنزل مع بابا...ههههههه بحبها أوى نونتى دى!...صباح السكر على الطلبة اللى رايحين الجامعات ومنهم ابنى توتى يارب يكون صاحى وسامعنى عشان وراه سكشن انهارده...احم....صباح العسل على الموظفين اللى رايحين ينوروا مصالحنا عشان يخدمو بلدنا الحبيبة الغالية العزيزة مصر...صباح كله تفاؤل وتعاون وحب وهدوء...لعب وجد وحب...صباح الفل يامصر...احم..وبعد ماصبحنا على كل المصريين وسورى لو كنت نسيت حد...احم... دلوقتى نقولكو عالبروجرام الهايل بتاع البرنامج انهارده...هيكون معانا فى أول لقاء الدكتور على خشبة رئيس قسم علم نفس الحشرات بجامعة.........."
أخذ يحملق فى الشاشة مدهوشا وهو يتابع وصلة المذيعة الصباحية قبل أن يتمتم فى بطئ وصوت خافت:
" أقطع دراعى...إذا ماكانش أبوها وأمها قرايب...! "
" بيب بيب أنابيبببببببببب بيب بيب...."
نظر إلى النافذة بجواره مصدر الصوت قبل أن يقوم من النافذة ويصرخ بصوت عال..
" افصل عالصبح يا مفتاح يا أبو أنابيب منفسة ...الناس لسه بتصطبح وتقول ياصبح وأنت جاى تعزف...فاكرها أوبرا الجاز هنا "
" لامؤاخذة يا دكتور أحمد...كنت فاكرك مشيت...ولايهمك مش هأخبط لحد ماتنزل سيادتك وتديلى التمام...أى خدمة يادكترة..."
مط شفتيه وأغلق النافذة وسحب منشفته ثم نظر مرة أخرى إلى شاشة التلفزيون والمذيعة المدهونة بوية وهو يبتسم فى سخرية..
" صباح الهدوء يامصر..."
.......................
مشى أحمد فى شارعه متجها إلى مقر عمله...مشيا كالعادة فهو يؤمن بأن المشى رياضة ولم يفكر أبدا فى أستخدام عربته....لذا فقد مشى فى طريقه المعتاد وأخذ يسلم على كل أصحاب المحلات التى تقابله فى مشهد يشبه الأفلام العربى القديمة قبل أى يخرج من شارعه ليصبح فى مواجهة الكورنيش..خط سيره المعتاد ويسير بجواره ويسرح فى أفكاره اليومية...
" اه يانيل يامغلبنا...يقولك اللى يشرب منك لازم يحبك و يرجع ليك...طب أنا طول عمرى بشرب منك وعمرى ماحبيتك...بس بمشى جمبك مش عارف ليه...."
" حمص الشام...حمص الشام...سخن ومشطشط يابشا..."
" حمص الشام...والله نكتة..بعد ماكان بتاع الغلابة دلوقتى بقى مشروب شبابى وستايل كمان...شايف يانيل الولد والبنت اللى هناك دول...اه اللى ماسكين ايد بعض دول...وبيشربو حمص الشام...شكلهم حلو أوى ..صح؟ ايه؟ مش مخطوبين؟ يا عم نيل كبر دماغك هو عاد حد بيدق عالحاجات دى؟! اه بقى انت فاهم البلد فيها بطالة وعنوسة والأسطوانة دى اللى كله بيضحك بيها على كله...تعرف يانيل انى كنت أيام الكلية بحب..اه والله كنت بحب.؟ مش مصدق ؟ عشان دلوقتى ماشى لوحدى يعنى؟ الدنيا كده بقى بتتغير...كنت زمان باخد حبيبتى ونقعد عالنيل بس هى ماكانتش بتحب حمص الشام كنا بنشرب كنز بمصاصة أصلها كانت ستايل بعيد عنك يانيل....ههههه...دايما كده يا نيل تفكرنى بالأيام اللى تضحك دى....اسكت يانيل أحسن اسكت..."
نقل نظره من النيل إلى صفوف السيارات الفخمة المارة بجواره..ابتسم فى سخرية فيها لمحة حزن...
" العربية...حلمى الأول...كنت زمان أول مادخلت الجامعة باتمنى أجيب عربية وكنت كل ماأشوف أصحابى راكبين العربيات وهما لسه فى أولة طب وطالعين من ثانوى...وأقول دول جابوها منين...حقد طبقى؟! بتخرف بتقول ايه يانيل...أنا عمرى ماكنت حقود...أنا كنت بحسد بس...هههههه...لأ بجد كنت بس باستغرب هما ازاى كده..أكيد دادى بتاعهم غنى ..أما دادى بتاعى أنا لأ...ماكانش غنى...الله يرحمه....المهم ساعتها أنا قلت هانت...بكرة ياواد يا أحمد تتخرج وتبقى دكتور قد الدنيا وتفتح عيادة وتجبلك حتة بى ام دبلو كده زيرو موديل ألفين وأى حاجة...وأدينى أهو ماتخرجتش....ولابقيت دكتور قد الدنيا...بس جبت عربية...صحيح راكنها مابركبهاش بس اسمها عربية....قيامة يعنى ياض يانيل...ايه؟ خدت عليك أوى؟ قضيها يانيل بقى خلى البساط أحمدى أنت مش مصرى زينا ولا ايه؟ ده أنت حتى مستحمل كتير ياعم والله....ربنا يكون فى عونك عاللى بتشوفه..."
مرت من جانبه طفلة صغيرة فى زى مدرسى زاهى الألوان تسير ويدها فى يد والدها...ابتسم فى حنان...تذكره بأخته الصغيرة...علا...وأخوه الصغير أمير...
" علا؟ دى نور حياتى..وأمير ده اللى بينورلى دنيتى...دول أخواتى اللى طلعت بيهم من الدنيا...وبما انى مش هأجوز فهما ولادى كمان..بيقولولى يابابا أحمد...أه والدتى كمان متوفية...حال الدنيا بقى ياعم نيل بس أنا الحمد لله بحاول أسعدهم..ومدخلهم الأتنين مدارس علشانن يحققوا اللى أنا ماقدرتش أحققه...ايه؟ سؤال صعب أوى...ليه ما كملتش تعليمى...بس دى قصة حزينة أوى.. مستعد تعيط؟ ولا تعيط ايه ده انت كلك يانيل مليان من دموعنا..."

" ولاحاجة ياسيدى...والدى مات...وماسابش أى حاجة...وعمامى طردونا من الشقة الصغيرة اللى كنا فيها...صلة رحم؟ صلة رحم مين يانيل انت مابتقراش جرايد؟ مابتسمعش عن القرايب اللى بيموتوا بعض عشان شقة ولا أوضة حتى؟ اسكت يانيل اسكت..الناس بقت وحشة أوى..ممكن تقتل بعضها عشان جنيه..أكمل؟ أنت شكلك بتحب الحواديت دى...طيب...ولاقبلين...راجل طيب قعدنا فى شقة فى عمارته مؤقتا لحد مانتصرف؟ اه راجل طيب شوفت العجب؟ هى البلد دى كده يانيل عمر ماحد هيفهملها...زى ماتلاقى فيها ناس بتنهش فى بعض زى الديابة...ناس تانية بتدور ازاى تساعد حد...بلد متانقضات؟ انت أول مرة تعرف...طب ماهما بيحبوك وبيشربو ميتك ومبهدلينك بقايا مصانع وتلوث...فيه تناقض أكتر من كده...بتقول ايه؟ هههه والله ضحكتنى...كل ده وبتسأل ايه دخل كل ده بالكلية؟ اه أنت شكلك ماتعرفش دى كمان...خد عندك ياعم نيل...مصاريف كلية طب...500 جنيه...ضيف بقى كتب ب 500 كمان وكمان معدات طب بكام مية كمان يعنى الحسبة كده تخشلها فى.....ايه؟ والله بتهزر! هههههههه تعليم مجانى إيه يانيل؟؟؟؟ اسكت أحسن والنبى...."

سرح بنظره مرة أخرى فى السيارات...رأى سيارة سوداء فخمة تحمل علم أزرق فى المقدمة...دقق النظر فى العلم...ضحك بصوت عالى....
" اسرائيل...انتو لسه بتدوروا على ضحايا جداد..مش هتلاقوا...مش فاهم ايه يانيل؟ مالى ومال اسرائيل؟ مابلاش دى يانيل خلينا ساكتين...ولاأقولك لازم أعرفك يمكن يحصلك اللى حصلى...فى يوم كنت واقف جمب عربيتى...جت عربية زى دى بس من غير علم...ماعرفتش هما مين...فكرتهم حكومة ولا أمن دولة قلت أنا عملت ايه...قالولى عايزينك فى كلمتين...رحت معاهم...ودونى عمارة فخمة...وطلعونى شقة أفخم...بصراحة خفت...شوية وطلعتلى واحدة رحبت بيا ودخلتنى...قعدنا كلنا فى وسط حاجة كده زى قاعة اجتماعات..وكلهم حواليا...وابتدى الكلام وياريتو ماابتدى...عرضو عليا العمل برة...لأ مش أى برة...اسرائيل..! أيوة اتخضيت ليه كده...هى بعينها...أى شغلانة أطلبها...مرتب ماتحلمش تسمعه بس مش تاخده هنا...ده غير تأمين كل حاجة..سفر..فلوس...إقامة..كل حاجة...طيبين أوى الناس دى عايزين يساعدوا شباب مصر...هههههههههه...أهى دى أكتر تكتة تضحك سمعتها منك يانيل؟؟ وافقت؟؟؟ أنت لو قالولك روح أروى اسرائيل هتروح يانيل.......؟ بص مش هأقلك كلام شعارات وانى رأفت الهجان وجمعة الشوان والهليلة دى.... وبصراحة أول ماقالولى ضعفت...بيعرضو عليك مرتب ماتحلمش بيه هنا...وواحدة شبه ممثلات السيما بتتدلل عليك..عشان توافق...قلتلهم هأفكر....وروحت...لأ مافكرتش يانيل...مااحتجتش أفكر...عارف أول مادخلت البيت لقيت ايه؟ علا وأمير جايين يورونى كراسة الرسم بتاعتهم وبيسألونى مين رسم الموضوع أحسن...لقيتهم راسمين دبابات مشخبطة..وجنود ملامحها مش باينة..بس اللى كان باين علم مصر..كانو راسمينه حلو أوى...وهو مرفوع فوق...بيرفرف...وجمبه جندى مصرى ماسكه ورافعه والدم مالى بدلته...ومكتوب جمبه الله أكبر...النصر لمصر...كأنه بيصرخ بأعلى صوته...أخر صرخة..وتحت رجله مرمى علم تانى...علم اسرائيل...فى وسط التراب...اللى حاول يحتل مكانه عليها...عارف عملت ايه...عيطت...والله العظيم عيطت...علا مسحتلى دموعى...وأمير قالى انت زعلان يا بابا أحمد...قلتله لأ أمير أنا بس فرحان باللى رسمتوه...أنتوا عرفتو الحاجات دى كلها ازاى..علا ردت عليا " ماهو يوم 6 أكتوبر كان امبارح... كانو جايبين أفلام كتير...واحنا رسمنا حبة من اللى شوفناه...هى اسرائيل دى وحشة كده يابابا أحمد " نزلت دموع من عينى أكتر لما سمعت سؤالها...قلتلها أيوة...أيوة ياحبيبتى وحشة أوى...عشان عايزين ياخدو كل حاجة بالقوة...مصر..أرضها...وناسها..." بتعيط يانيل؟ معلش....أنا بردوا عيطت كتير يوميها...وفضلت طول الليل قاعد معاهم أقولهم عن الحرب...وعن الأبطال اللى ماتوا فيها...وعن مصر...وعن الوطن....كنت أول مرة فى حياتى أكتشف إن ده مش كلام شعارات...احنا بس اللى بنكبر وبتروح براءة الأطفال مننا بينسحب معاه حبنا لبلدنا...وبعدين؟ هو لسه فيها بعدين؟ أنا وصلت خلاص بقى يانيل عربيتى هناك اهى...لازم انهارده؟...خلاص يانيل هأقولك...جولى تانى يوم...بتوع العربية السودة....وقالولى موافق ولا لأ...ماردتش...طلعت رسمة أمير...واديتهالهوم...قلتلهم..أنا موافق..بس فى حالة واحدة...لما طفل اسرائيلى واحد... يعرف يرسم رسمة فيها العزة والكرامة دى لبلده ولعلمها...هأجيلكوا...الا ولادكوا بيرسمو ايه يوم ستة أكتوبر...؟! سمعو سؤالى ومشيوا...كانت عيونهم فيها بصة مش قادر أنساها لحد دلوقتى...بصة بتقول ايه المصريين دول؟ مجانين....مابيتغيروش...مابيستلسموش...مابيضعفوض...م ابيسلموش...مابيستغنوش أبدا عن كلمة مصرى؟؟ مع كل اللى فيها؟؟ مع مشاكلها وفقرها ودوشتها ودخانها...عمرهم ماهيفهموا يانيل...ماقلتليش..قبل ماأمشى...لو عرضو عليك هتوافق؟؟ ترويلهم أرضهم؟؟ هتفكر؟؟ هههههه فكر براحتك يانيل الأطفال كتيرة هنا جايز حد يرسملك رسمة...اه صحيح أختى علا بترسمك حلو أوى بالمراكب بتاعتك.. وبتحبك...بكرة بقى أبقى أجبلك صورتك...أتأخرت على أكل عيشى يانيل...سلام...يانيل مصر...

ترك الكورنيش وعبر الناحية الأخرى...واتجه إلى مفترق الطرق...إلى الجراج حيث عربته كشف الغطاء عنها وخرج إلى الطريق...عبر عليه شاب صغير يبدو أثار الشحم على وجهه " صباح الخير ياعم أحمد..." " ابتسم فى حب...
" صباح الخير يا أسطا بلية..."
أخذ ربع ساعة ليجهز عربته...قبل أى يقف شامخا فى مفترق الطرق بجوار عربته كالعادة...وهو ينظر إلى السيارات والمارة...ابتسم فى مرارة وسخرية...وهو ينادى بأعلى صوته...نداءه المعتاد...
" فول وفلافل....... "
_________________

فول وفلافل ... Prince

ارق تحيه

قصة جميلة جدا يل نور
والاجمل ان اللى منزلاها انتى

الاجمل هو مروركـ يا رضا