ضـــيوف المقابـــــــر
مقدمة :
أنا أقف أمام المقبرة والجميع يقتربون منها ليقوموا بفتحها .. أنا الوحيد الذي أعلم الأهوال التي تنتظرهم بالداخل .. أنا الوحيد الذي أعلم بأمر الضيوف .. لقد اختاروني بالذات لأكون الموكل باستقبالهم
إنهم ضيوف المقابر 1
بدأت الأحداث ليلة الخميس الماضية عندما ذهبت لفراشي بعد رجوعي من الدروس اليومية .. نعم فأنا في المرحلة الثانية من الثانوية العامة وفي تلك الليلة أنهيت دروسي متأخراً وعدت للمنزل أشعر بصداع من قلة نومي واجهاد المحاضرات والدروس الخارجية التي أقوم بحضورها ..
أويت للفراش في تلك الليلة وأغمضت عيني وذهبت في سبات عميق ، ولكن حدث شيء غريب ؟؟
شممت رائحة تشبة رائحة .. لا أعرف ماذا أقول ولكن هل قمت في يوم ما بالذهاب للمقابر لدفن أحد أقرباءك ؟ إذا ذهبت لهناك ودخلت القبر مع الميت فإنك ستشم رائحة تجمع بين العطن ورائحة التربة المتحللة ورائحة أخرى كاتمة ، وهذا ما شممتة
ولقد تذكرت تلك الرائحة على الفور لأنني منذ أربعة أسابيع دخلت المقبرة مع أقاربي لدفن جثة خال والدي . وعند دخولي إلى المقبرة مع أبي لإستقبال الجثة شممت تلك الرائحة وظلت معلقة في أنفي تذكرني دائماً برائحة الموت
الأن أنا أشمها وكأني مازلت في تلك المقبرة ، لا بالفعل أنا في تلك المقبرة الآن حيث أرى في الحلم أنني أقف بها وحيداً .. ولكنها خالية من الجثث
أرى شيء غريب هناك جلبة خارج المقبرة وأصوات أشخاص يتكلمون ويقرأون القرءان ويدعون لميت ما .. ذلك الصوت يذكرني بلحظة أن قمنا بدفن قريبنا حيث وقف رجل ما قبل دخولة القبر وظل يدعوا له ويقرأ أيات من القرءان .. نفس الصوت سبحان الله
حتى خرجت يد من التربة .!!! خرجت اليد وتبعتها يد أخرى تحاول الخروج ثم جسد يقوم من التربة . جسد بالمعنى الحرفي للكلمة فهو جسد بلا رأس ؟
يرتدي جلباباً ممزقاً متسخاً . قام هذا الجسد ووقف في أحد الأركان بثبات
والدي بدأ يقرأ آيات من القرآن وهو يكشف عن الجثة وأنا بجانبه أردد أدعيه ولا ينتبه أحدنا لذلك الجسد الذي يقف في الركن ، وفجأة من الركن الذي أقف فيه وجدت التربة تتخلخل حولي ويخرج منها فتى ذو عين مفقوءة ودماء في كل أجزاء جسده ؟ وقف هذا الفتى بعد أن خرج من التربة ثم اتجه ليقف بجانب الجسد الذي يرتدي الجلباب
نظر لي الفتى وأحسست أن عينة الواحدة تركز نظراتها علي موضعي في المكان الذي أقف فيه أراقب المشاهد .. ثم تكلم بصوت متحشرج :
- << عادل . قم بإنقاذنا ، نحن ...
فجأة قمت مفزوعاً قبل أن أكمل الحلم .. أريد هواء هواء ، أخذت أشهق وأنا أردد كلمات بدون معنى حتى هدأت حركتي ..
نزلت من الفراش و ذهبت إلى دورة المياة لكي أقضي حاجتي عند دخولك لحمامنا الصغير ستطالعك مرآة كبيرة أعلى الحوض ، وبمجرد دخولي نظرت للمرآة بنصف عين لأنظر لوجهي المنتفخ من أثار النوم .. هنا توقفت لحظة وقد اتسعت عيني للحظة ، هل ما رأيته في المرآة صحيحاً ؟؟؟ نظرت مرة أخرى للمرآة وقد اقتربت منها قليلاً ، ما هذا ؟؟ علامة سوداء على جانب رقبتي من الجهة اليسرى .. خط بارز قليلاً يحتل مساحة لا تقل عن عشرة سنتيمتر بالعرض من منتصف رقبتي مروراً بالوريد الودجي ..!!! تلمست الخط بيدي لاجدة بارزاً قليلاً ؟؟؟
هل حدث ذلك عند نومي وأذيت نفسي بيدي أم حدث ذلك قبل رجوعي من الدروس الليلة ؟ أنا لا أتذكر الليلة جيداً لكن أعتقد أن ذلك لم يحدث أثناء حضوري دروس اليوم ...!!!!! ***
يسير في الطريق وهو ينظر حوله جيداً .. وهو يقول في نفسه أي الطريق يسلك ليصل سريعاً لمنزلة ؟ إذن سيذهب من الطريق الزراعي والذي أطلق أهل بلدته هذا الاسم علية لأنه يمر بين الأراضي الزراعية ، ربما لأن الليل قد أتى وهذا الطريق لا يحتوي على مصابيح و الكثيرين لا يشعروا بالأمان في السير فيه ليلاُ .. ولكنه يختصر الكثير من الوقت ، توكل على الله واتجه ناحية الطريق
***
أخذت أحاول النزول من الفراش وأنا أتثاءب بعد استيقاظي صباح يوم الجمعة ، تذكرت ما حدث في منتصف الليل عندما استيقظت من الحلم المفزع ثم رؤيتي للخط الأسود على جانب رقبتي ، شيئاً عجيباً بالفعل ربما كان مرضاً جلدياً ولكن متى أصبت به ؟ ، هناك احتمال أنني أذيت نفسي أثناء نومي ولكن هل كان حلمي بهذا الرعب كي أخمش بأظافري جانب رقبتي !!
كنت في تلك اللحظات وأنا أضع الإحتمالات أسير باتجاه الحمام حاملاً منشفة وملابسي كي أقوم بالاستحمام قبل صلاة الجمعة ، دخلت الحمام وخلعت ملابسي ثم فتحت المياة الساخنة ووقع نظري على جسدي .. وبالتحديد منطقة البطن ، شاهدت بها خطوط سوداء صغيرة ربما كان الخط الواحد لا يتعدى الثلاثة سنتيمترات ولكن هناك الكثير من تلك الخطوط يملأ منطقة الصدر والبطن فتحسستها لأجدها بارزة وكأنها زائدة على جدار البطن ؟؟
هنا جريت نحو المرءاه مرة أخرى ونظرت بها لتقع عيني على الخط الذي يسير على رقبتي والمشابه في اللون والثخانة للخطوط التي تملأ جسدي ...!!!!
هل يمكن أن يفعل بي الحلم كل هذا !!!!!!!!
***
بعد عودتي من صلاة الجمعة أنا وأبي دخلت غرفتي بينما كانت أمي تجهز الإفطار لنا جلست أنا أفكر في تلك الأحداث
حلمت حلم غريب يتعلق بالمقبرة التي دفنت فيها جثة قريبي ولكن لا غبار على الحلم فربما يكون حلم عادي جداً .. ولكن أن تحدث أشياء لجسدي بعد الحلم كأن أرى تلك الأشياء الغريبة على رقبتي وجسدي فهذا يحتاج لوقفة ...
حمداً لله أننا في فصل الشتاء وملابسي معظمها ذات ياقة يمكن أن تداري ذلك الشيء الغريب الذي يطوق رقبتي
ولكن هل من الممكن أن أكون أنا من أحدت تلك الأشياء لي أثناء نومي بيدي ؟؟ أو ربما حدثت لي قبل أن أتي المنزل ؟ لا أعتقد أنها حدثت لي وأنا بالخارج بالرغم أنني لا أتذكر الكثير عن البارحة ولكني بالتأكيد كنت سأذكر تلك الأشياء
سمعت صوت أمي تدعوني للخروج لأتناول الطعام مع والدي فخرجت وجلست بجانب والدي وأنا مازلت أفكر في ذلك الحلم ولا أجد له تفسير وقد قررت شيئاً يجب أن أفعلة اليوم
***
لقد ذهبت للمقابر في الساعة السادسة ، نعم فهي قريبة لنا ولا أقصد أنها قريبة من منزلي بل هي موجودة في بلدتنا ويمكن لأي منا زيارتها في أي وقت ، ففكرت في الذهاب لها لمطالعة قبر قريبي وقراءة الفاتحة له ، وفي نفس الوقت لأنني شعرت أن هناك شيء يتعلق بتلك المقبرة
كانت المقابر تتراص على هيئة شوارع أو حارات وفي كل شارع تسير لتجد المقابر على الجانبين والأشجار تظللها من الأعلى وتحجب الشمس وتعطي لمحة من الرعب حتى في النهار
كانت المقابر من النوع الذي يقام فوق سطح الأرض أي أن القبر يبنى كغرفة كبيرة وتوضع الجثث متراصة بجانب بعضها البعض في كل مقبرة لعائلة معينة
بحثت في الحارة الثالثة بين المقابر عن مقابر عائلتي حتى وجدت لافتة من الرخام كتبت عليها اسم عائلتي وتاريخ بنائها لمقابرها .. .
فوقفت أقرأ الفاتحة وادعوا لهم ، وبعد أن انتهيت نظرت لباب القبر الخاص بالرجال بتمعن
كان باب في منتصف القبر يعلوا عن الأرض بمسافة متر ومغلق بقفل كبير ..
اقتربت وأنا أتحسس باب المقبرة بخوف ورهبة ثم أمسكت القفل بيدي واقتربت منه و مسحت علية بإصبعي بحرص لأرى كمية الغبار التي تكونت علية ؟ شهر كامل بدون أن يلمس أحدهم قفل المقبرة وعلية كمية قليلة من الغبار ربما تكونت من يوم أو أثنين ؟؟
جريت على قفل ثلاثة مقابر أخرى لأرى غبار كثير يملأها
أعتقد أن استنتاجي صحيح ربما هو مازال شك ولا يوجد سبب قاطع يدعمه ولكني واثق أن هذا القبر قد فتح منذ فترة قريبة جداً
كنت مازلت أتطلع للقفل وأنا أقبض علية بيدي وحانت مني التفاتة ناحية الأرض
باب المقبرة صغير جداً وعلى ارتفاع متر ونصف عن الأرض فهناك ( مصطبة ) أسمنتية ليصعد عليها مشيعي الجنازة لكي يمكنهم الدخول من باب القبر .. تلك المصطبة تكونت عليها أتربة كثيرة ، وفوق تلك الأتربة
أثار أقدام كثيرة وكلها تتجه ناحية الباب أو عكس ناحية الباب .. أثار أقدام لم تزيلها الأتربة أي أنها ليست من مدة كبيرة إن أردت رأيي
هناك من دخل لتلك المقبرة لغرض ما ؟؟
خرجت سريعاً من منطقة المقابر وذهبت لحارس المقابر العجوز في غرفته لأجده يشرب الشاي ويشاهد التلفاز فأقرأته السلام ودعاني للدخول لغرفته فدخلت
وكنت قد حضرت كلمات في ذهني فأخرجت ورقة بعشرة جنيهات من جيبي ودسستها في يده طالباً منه أن يهتم بقبر عائلتي وقلت له على اسم العائلة
فصب لي الرجل العجوز كوب من الشاي وظللت أرشف الشاي وأنا أحدثه عن الأحوال وأخبار المقابر .. وبعد دقائق قلت له :
- << هل هناك جثة دفنت في الحارة الثالثة منذ شهر أو أقل ؟ >>
- << لا يوجد يا بني غير جثة قريبكم التي أتت منذ شهر على ما أتذكر ، ولم تدخل الحارة الثالثة أي جثث منذ ذلك الحين >>
نظرت له بعين ثابتة وأنا لا أعرف ماذا أقول .. لقد تأكد شكي بأن هناك شيء غير طبيعي يحدث يتعلق بمقابر أسرتنا !!!!
***
مازال يسير في ذلك الطريق وهو يتلفت حوله في ذلك الظلام الكاحل فهو برغم قوته الجسدية يخاف من الظلام الذي يغلف ذلك الطريق المتطرف الذي من المستحيل أن تجد من يسير فيه ليلاً ، لا شيء ظهر والحمد لله وها هو يقترب من نهاية الطريق حيث أضواء المنازل المطمئنة والحياة التي تسري في الشوارع , هذا عندما سمع من وراءه صوت خطوات سريعة تعدو باتجاهه .!!!!
***
عدت من المقابر وأنا أفكر بتركيز شديد عن المقبرة وأثار الأقدام التي ظهرت بها وأنا أتذكر الأحداث واضعاً الاحتمالات .. حتى وصلت لمنزلي وجلست على أحد المقاعد وأنا أغمض عيني لأريح جسدي
ما هذا الذي أراه ؟؟؟ أنا أمام المقبرة مرة أخرى وأشعر بالهواء يلفح وجهي ؟؟
فتحت عيني بسرعة لأجد أنني مازلت على المقعد في منزلي !!! فأغمضت عيني مرة أخرى ورأيت نفسي في نفس المشهد تقريباً ..أقف أمام المقبرة مرة أخرى ولكن هذه المرة أراها كأني أنظر لها من عيني الطبيعية والباب ثابت أمامي ، وفجأة دقات قوية تأتي من داخل المقبرة وصراخ فتاه في مرحلة الشباب تقول :
- << أخرجني من هنا . أخرجني من هنا >>
لم أعلم ماذا أفعل والطرقات تدوي من داخل المقبرة والصراخ مازال مستمراً فاقتربت من المقبرة ولمست الباب بيدي وأنا أشعر ببرودته على يدي .. وسمعت صوتي يقول :
- << لا تحزني سأخرجك >>
هنا هدأت صوت الدقات من داخل المقبرة وسمعت نحيب الفتاه وهي تبكي وتردد كلمة أخير :
- << لا تتركني هكذا أريد العدالة >>
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!
قمت بفتح عيني فرأيت نفسي جالس في المقعد كما كنت ؟ ماذا حدث لي حالاً ؟ أغمضت عيني مرة أخرى فلم أرى شئ !!!! ماذا يحدث في تلك المقبرة يا ترى ؟
***
لا يريد أحد أن يقنعني أنني سأنام بعد ما شاهدت من أحلام حول تلك المقبرة ، ربما نمت قليلاً لكن خوفي من رؤية أحلام أخرى جعل عقلي متيقظاً بقية الليل وهو ما جعلني بعد عودتي اليوم التالي من المدرسة أن أنتظر والدي حتى يأتي من عملة لأحاول أن أستفسر عن بضعة أشياء
وكان مظهري وأنا انظر لوالدي بارتباك بعد دخوله المنزل قد جعله يقف أمامي ويقول مبتسماً لي :
- << ماذا بك يا ( عادل ) >>
- << لا شيء بالطبع ولكن فوجئت بشيء غريب أمس >>
- << ما هو ؟ >>
تنحنحت بقلق فلا أعلم كيف أخبرة أنني ذهبت للمقابر أمس بلا سب لكني وجدت سبب زائف فقلت :
- << ( أحمد ) صديقي ذهب أمس ليلاً لقراءة الفاتحة لأحد أقاربه فرافقته للمقابر وهناك وقفت أمام مقابر أسرتنا لقراءة الفاتحة لقريبنا الذي قمنا بدفنه منذ مدة .. وهناك وجدت بعض الأشياء الغير مفهومة ..!! >>
- << ماذا رأيت ؟ >>
- << القفل الموضوع على باب المقبرة في غاية النظافة وكأن أحدهم قد فتحة قريباً أو أن أكثر من يد وضعت علية أكثر من مرة .. ورأيت أثار أقدام واضحة على المصطبة كلها تتجه للمقبرة من الداخل ونفس الآثار تتجه عكس باب المقبرة كأنها ... كأن أصحاب تلك الآثار دخلوا المقبرة وخرجوا منها مرة أخرى >>
صمت والدي قليلاً يفكر ثم قال :
- << ولماذا لم تفكر أنه أحد أفراد أسرتنا قد ذهب لزيارة القبر ؟ >>
- << لن يلمس أحد أفراد أسرتنا قفل المقبرة يا والدي ، هذا غير أنك تعرف أنه إذا أتى أحدهم فإنه سوف يعلمنا لبعد مسافة قريتنا ولصعوبة وصولهم للمقابر بدوننا لأننا نعرف طريقها ونعرف أي الحارات توجد مقابر أسرتنا أليس كذلك >>
وضع والدي يده تحت ذقنه وهو يفكر .. ما هذا الشيء خلف والدي ..!!!!
لون أسود خلف والدي وكأن هناك خلفية سوداء تغطي خلفه ، هل أنا أهذي أم أن هناك فتى في العشرين من عمرة يخرج من بين السواد وهو ينظر لي .. ملابسة ممزقة في أكثر من موضع والدماء تملأ ملابسة ، إحدى عينية مفقوءة يسيل منها سائل أبيض ...!!!
لم أظهر أي شيء لوالدي وظللت اختلس النظرات خلفه وعيني تكاد تخرجان من محجريهما من الرعب مما جعل والدي يلاحظ اتجاه نظراتي لخلفه فنظر بسرعة خلفه ثم نظري لي باندهاش وهو يستفسر مني عن ما أرى .. إذن فهو لم يرى شيئاً وأنا الوحيد الذي أرى هذا الفتى ؟؟؟
***2
- << فقال لي والدي لا تسير من الطريق الذي يسير بين الأراضي الزراعية نهائياً ، ولم أكن سأصدقه لولا أن علمت بأمر حوادث الاختفاء >>تسمرت مكاني وأنا أسمع تلك العبارة من أحد الجالسين في محاضرة اللغة العربية في الدرس الخاص .. كان يقولها لزميلة ويبدو أن الحوار له بقية فركزت حواسي مع هذا الفتى لأسمع زميلة يسأله عن أمر تلك الحوادث فيجيبه الفتى قائلاً :<< ألم تسمع عن الفتاه التي اختفت منذ ثلاثة أيام عند عودتها من زيارة لأحد أقربائها .. أهل الفتاه أكدوا أنها من عادتها السير من ذلك الطريق ولكنها اختفت ، ومن شهران ألم تسمع باختفاء ذلك الشاب الصعيدي الذي يعمل بناءاً بالأجرة ، لقد قال أخر من شاهدة من زملائه أنة قال لهم أنه سيعود لغرفته وسلك الطريق الزراعي ، والدي هو المسئول عن التحقيقات في تلك القضايا .. والعامل المشترك بينها أنه لا وجود للشخص المختفي سواء أثار أو جثة مما يوقف جوانب البحث هذا غير أن هناك حوادث أخرى كلها تتوقف عند ذلك الطريق .. والمصيبة أن معظم الكمائن التي قاموا بها لم تسفر عن شيء ولم يتم القبض على الجناة حتى الآن >>نظرت لهذا الفتى وقد تأكدت من داخلي من أمر مقبرة عائلتي ***
- << نقودك >>
تفاجأ الشاب وهو يستمع لتلك العبارة أثناء سيرة على الطريق الزراعي ولكن العبارة أعقبها سلاح حاد يوضع على رقبته وصوت قهقه يأتي من خلفه من أكثر من شخص .. يبدو أنهم ثلاثة أشخاص وصوت الذي طلب منه النقود يدل على أنه تحت تأثير المخدرات ، هنا أحس بشخص غير الذي يضع السلاح على رقبته يقوم بتفتيش ملابسة ثم خلع ساعته من يده وقال بسخرية :
- << هاها عشرة جنيهات وساعة فقط ؟ أنت لا تستحق أن تقتل لأجلهم >>
هنا لم يتمالك الشاب نفسه من الفزع عندما سمع كلمة القتل ..
***
أجلس الآن بغرفتي وأنا أفكر بكل الأحداث التي مرت بي منذ ليلة الخميس الماضية ، أحلام غريبة ثم أستيقظ ليلاً لأجد أشياء غريبة تغطي جسدي .. تحسست عند تلك اللحظة رقبتي وصدري لأتأكد من وجود تلك الأشياء السوداء الغريبة
يبدو أنني أشاهد أشباح الأموات ؟ وكل تلك الأشباح تعطيني دلالة على مقبرة عائلتي وكأنهم محبوسين بها أو ... لحظة
محبوسين بها .!!! القفل نظيف وهناك أثار أقدام ...!!!! حوادث الاختفاء والتي لا تترك أثراً لجثث أو أي شيء يدل على المفقود ....!!!!!!
الخيوط تتجمع بعقلي ، جريت على غرفة والدي أقتحمها لأروي له في سرعة ورعب تلك الأفكار وربطها ببعضها البعض وطلبت منه سرعة فتح المقبرة بسرعة فما كان منه إلا أن اتهمني بالغباء والجنون ولكني أصررت قائلاً إن لم يساعدني هو فسأذهب لقسم الشرطة لأبلغ عن معرفتي بأماكن الجثث
فما كان من والدي إلا أن نظر في عيني وهو يفكر ماذا يفعل في تلك المصيبة فهو يعلم أنه لو وجدت جثث في مقابر أسرتنا فستكون مصيبة لإثبات أننا ليس لنا علاقة بتلك الجثث ، ولو قمت أنا بالإبلاغ فسيتم اتهامي أنا بتلك التهم .. كان في حيرة من أمرة ولكنني اقترحت علية أن يذهب لنقطة الشرطة في بلدتنا ويقوم بالإبلاغ عن الاشتباه بوجود أشخاص تقوم بفتح المقبرة الخاصة بأسرتنا ويطلب فتح المقبرة لمعاينتها
نظر لي والدي بتمعن ثم قام ليستبدل ملابسة ليذهب للنقطة وحذرني من الخروج من المنزل حتى يعود هو مرة أخرى ...
***
لم يتمالك الشاب نفسه وهو يستمع لكلمه قتل فقام بأكبر عمل أحمق في حياته .. بالرغم من وجود السلاح الحاد على رقبته إلا أنه تراجع للوراء برأسه وضرب بمؤخرة رأسه أنف من كان يطوقه بالسكين فتخاذل عن تطويق رقبته للحظات مما جعل الشاب يستغل الفرصة ليلتفت للخلف ليرى بوضوح المعتدين والذي أخرج أحدهم من جيبه سلاح حاد أخر وحاول إصابته به لكن الشاب كان يتفادى السلاح ويوجه اللكمات له
وفجأة أحس الشاب بمن يطوقه من خلفه مرة أخرى ويضع السلاح الحاد على رقبته مرة أخرى وهو يقول :
- << دعني أعرفك على من حاولوا المقاومة من قبلك ، سأجعلك تصل إليهم بأسرع مما تتصور >>
***
بعد ذهاب والدي بقليل جلست وحيداً أفكر وأنا أشعر بأن هناك حلقة مفقودة تجعلني أرتبك قليلاً ولكن لما أشعر بأنني أعرف تلك الأحداث جيداً وكأنني أعرف تفاصيلها منذ القدم ...!! ظل تفكيري يقودني معه في كل حلم رأيته وفي كل حدث مر بي الأيام الماضية
هنا شعرت برعشة خفيفة تسري في جسدي وأنا أفكر .. لا لا لا لا
أنا أهذي أنا جننت نعم أنا جننت ، لا لا لا لا .. ليلة الخميس ، الطريق الزراعي .. لقد تذكرت كل شيء مرة أخرى
الدموع تسيل من عيني وأنا أنظر حولي ثم أحسست أنني أمتلك رغبة بتحطيم أي شيء أمامي .. جريت في أركان الغرفة أحطم كل شيء يقابلني وأنا أصرخ والدموع تنهمر من عيني وجسدي يزداد ارتعاشه ثم نظرت لباب الشقة و فتحته لأغادر المنزل وأنا أسير باتجاه المقابر وعيني يملأها الغضب
***
مازلت واقفاً أمام القبر أنظر إليها والظلام يحيط بي عندما سمعت أصوات سيارات تقف بالقرب من المقابر وأصوات أشخاص تتشاور في شيء ما حتى أقترب الصوت كثيراً ورأيت والدي يقترب وبجانبه ثلاثة رجال يرتدون زي الشرطة ورجلان يرتديان الجلباب ويحملان رفشان ، والجميع يحملون كشافات صغيرة تنير لهم الطريق .. فوجيء الجميع بوجودي ولكن والدي وجه الكشاف على وجهي البارد ونطق اسمي بدهشة فسأله أحدهم عن معرفته بي فقال أنني ولده وأنني أعلم بأمر المقبرة ..
تجاهلني الجميع وقاموا بفتح قفل المقبرة بمفتاح والدي ودخل العاملان كي يحفرا مع تحذير والدي أن هناك جثة غير مدفونة لا يجب عليهم أن يقتربوا منها .. وبالفعل بدأ العاملان بالحفر حتى سمعنا أحدهم يهتف بأنة أكتشف جثة متحللة بلا رأس ترتدي جلباباً .. فنظر الجميع لبعضهم البعض فقط ليسمعوا صوت العامل الأخر بإكتشاف جثة أخرى بجانب الجثة ذات الجلباب ، فدخل شرطي منهم للقبر ليتشارك معهم رؤية تلك الجثث
هنا رآني الجميع وأنا أقترب من باب القبر وأدخل رأسي قليلاً من الباب وأنا أشير بيدي لأحد أركان القبر وأمرت بأن يحفرا بها ..
نظر لي الشرطي للحظات بارتياب ثم أمرهم أن يحفرا في نفس المكان الذي قمت بتحديده وهو ينظر لي بشك مرة أخرى
***
بعد أن قال الشخص الذي كبل الشاب تلك العبارة وهو يضح السكين على رقبته .. ثم جعل السكين يمر على الوريد الودجي ببطء وهو يذبح الشاب باستمتاع ثم تركة راجعاً للخلف والشاب ينظر لهم وهو يحاول أن يمنع الدماء من التدفق ، ولكن أحدهم ظل يطعنه وهو يطلق الضحكات والجميع يشاركونه ، الشاب لا يصدر صوت بل هي حشرجة وهو لا يصدق انه يذبح .. نظر للمعتدين جيداً ليرى من هم الذين تسببوا في قتلة ، حفظ وجوههم الكئيبة في ذهنه المشوش وهو يفارق الحياة
مازالوا يضحكون علية وهو يحاول التشبث بأي شيء حتى سقط على الأرض وظل جسده يرتعش ببطء إلى أن خمدت حركته تماماً وعينية تنظر بفزع للفراغ ...
***
في تلك اللحظة تقريباً دخل والدي للمقبرة والعاملان يحفران في المكان الذي قمت بتحديده ، لحظات وأرتفع صوت الضابط يقول بدهشة :
<< جثة حديثة نسبياً مصابه بذبح في منطقة الرقبة وتمزق في الملابس في أكثر من موضوع يبدو أنها أثار طعنات >>
هنا سمعت صراخ والدي من الداخل وهو ينطق باسمي
دخلت أنا ببرود للمقبرة وأنا أنظر لأبي وهو يمسك الجثة ويصرخ والشرطي يحاول أن يفهم منه شيء ، نظر لي الشرطي ثم نظر للجثة واتسعت عيناه فزعاً وهو يكرر النظر بيني وبين الجثة ثم يتراجع إلى الوراء وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
أما العمال فقد نظروا أيضاً للجثة ونظروا لي فأخذوا يستعيذوا بالله من الشيطان و جرى الاثنان خارج المقبرة
جثتي .. تلك هي جثتي التي استخرجوها ووالدي يمسكها باكياً محتضناً إياها ودموعه تغرقها .. جثتي التي دفنها المعتدين بعد أن قتلت يوم الخميس الماضي بعد رجوعي من دروسي وسيري من الطريق الزراعي
دخل الذين يقفون بالخارج يستفسرون عن تلك الصرخات ولكني نظرت للشرطي وقلت :
<< أكمل الحفر وستجد جثث أخرى من بينهم جثة فتاه تم اغتصابها وقتلها وفتى أخر قتل .. هناك ثلاثة من مدمني المخدرات هم من يقومون بالقتل المنظم كل بضعة أيام عند الطريق الزراعي ويعلمون بأمر الكمائن قبلها عن طريق مخبر يدعى ( محمد عبد الرحمن ) يتشارك معهم بعض ما يسرقوه .. ممنوع على أي شخص الاقتراب من الطريق الزراعي الليلة هل تفهمني فهناك حساب قديم علي تصفيته ومن سيحاول منعي سأقتله بلا مناقشة >>
لم يتكلم أحد حتى نظر لي والدي من بين دموعه وهو يمد يده لي ولكني تراجعت إلى الوراء قليلاً ثم اختفيت من أمامهم .. فأمامي مهمة يجب أن أنهيها أولاً
***
ذبحه من الرقبة جاعلاً السكين يذبح الوريد الودجي ثم تركة راجعاً للخلف والشاب ينظر لهم وهو يحاول أن يمنع الدماء من التدفق ولكن أحدهم ظل يطعنه وهو يطلق الضحكات والجميع يشاركونه
***
علامة سوداء على جانب رقبتي من الجهة اليسرى .. خط بارز قليلاً يحتل مساحة لا تقل عن عشرة سنتيمتر بالعرض من منتصف رقبتي مروراً بالوريد الودجي ..!!! تلمست الخط بيدي لاجدة بارزاً قليلاً ؟؟؟
***
الطريق الزراعي يغلفه الهدوء والظلام إلا من صوت ضحكات تأتي من داخل منطقة متطرفة من المزروعات يجلس بها ثلاثة شباب يدخنون المخدرات ويطلقون النكات البذيئة وهم غارقين في الضحك
- << السلام عليكم ورحمة الله وبركاته >>
انتبه الجالسين وساد الصمت بينهم وهم ينظرون لبعضهم البعض برعب لا يفهمون من أين أتى هذا الصوت ؟؟ فعاد الصوت مرة أخرى ليقول :
- << هل تعلمون .. لقد أتيت اليوم لأجلس معكم ونتسامر قليلاً >>
في تلك اللحظة ظهر لهم ( عادل ) الشاب الذي قاموا بذبحة ليلة الخميس ودفنوا جثته في تلك المقبرة التي يقومون بدفن الجثث بها .. كان يقف أمامهم والدماء تنزف من جسده من مواضع الطعنات ومن رقبته وكأنه ذبح منذ قليل ولكنه ابتسم وقال بهدوء :
- << وبمناسبة أننا سنتكلم كثيراً الليلة فأستأذنكم أن أدعوا بعض الضيوف القدامى لمجلسنا لكي تكتمل سهرتنا .. ضيوف أتوا من المقابر >>
هنا سمع الجالسين أصوات أقدام تقترب من حولهم حتى ظهر أصحابها
جسد ضخم بلا رأس ، فتاه ممزقة الثياب . شاب تسيل الدماء من جسده وإحدى عينية مفقوءة ، رجل تسيل الدماء من رقبته ... وقف الجميع خلف الشاب الذي قال :
- << مهمتي لم تكن قتلكم بل أنا كالجلاد الذي يعد المحكوم علية للإعدام ، وهؤلاء هم الذين سينفذون الحكم >>
أقسم جميع أهل البلدة تلك الليلة أنهم سمعوا صرخات تأتي من الطريق الزراعي صرخات كأنها تأتي من حلوق شياطين
***
صوت أذان الفجر يأتي والشرطي يقول لزميلة :
- << هؤلاء الثلاثة هم المسئولين عن حوادث الاختفاء في أخر شهور من خلال المتعلقات التي وجدت مع جثثهم والتي تخص المفقودين ومن خلال اعترافات المخبر الذي قمنا باستجوابه منذ ساعة .. ولكن قل لي كيف سنمسك الجناة بالله عليك ؟ >>
نظر الشرطي للجثث الثلاثة الممزقة بين المزروعات ثم نظر حوله وقال :
- << لو ظللنا نبحث طوال حياتنا فلن يمكننا القبض على من فعل ذلك .. فهم في ذمه الله >>
- << ماذا قلت ؟ >>
- << لا عليك ، أنا أقصد أن عدالة السماء هي الآن التي يمكنها محاسبه الجناة >>
نظر الشرطي مرة أخرى لزميله بشك ثم تركة ليتابع عمل خبراء المعمل الجنائي في حين أن الشرطي قد نظر خلفه وتركزت عينية عند تلك النقطة التي وقف عندها عادل وهو يبتسم ويشير برأسه له .. فابتسم الشرطي وهو ينظر لعادل ثم قال في داخلة ( كل نفس ذائقة الموت )
وفجأة اختفى ( عادل ) ونظر الشرطي إلى السماء بحزن وهو يقرأ في داخلة آيات من القرأن الكريم ...
*****************