الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
يتساءل الكثير عن الرقية بـ ( سورة البقرة ) ، وهل لهذه السورة ميزة عن مثيلاتها من آيات كتاب الله عز وجل ، ولأهمية هذا الموضوع فإني أطرح عليكم أثر الرقية بهذه السورة العظيمة على النحو التالي :
أ - الرقية بالسورة كلها : فقد ورد في فضل سورة البقرة أحاديث كثيرة ، وفيما يلي بعض فضائل هذه السورة والفوائد المترتبة على قراءتها :
(1)- رقية تحصن البيوت من الشياطين :
1)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر – أي فر وهرب - من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ) وفي رواية ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان ) ( صحيح الجامع - 7227 ) 0
قال المباركفوري : ( قوله : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر" أي خالية عن الذكر والطاعة فتكون كالمقابر وتكونون كالموتى فيها أو معناه لا تدفنوا موتاكم فيها ، ويزيد على المعنى الأول قوله " وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان " وفي رواية مسلم : " إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة " وفي حديث سهل بن سعد عند ابن حبان من قرأها يعني سورة البقرة ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان ثلاثة أيام ، وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء الله تعالى والأحكام فيها ، وقد قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر كذا في المرقاة ) ( تحفة الأحوذي – 8 / 146 ) 0
2)- عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء سناما ، وسنام – أي أعلاه - القرآن سورة " البقرة " وإن الشيطان إذا سمع سورة " البقرة " تقرأ ، خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة " البقرة " ) ( حديث حسن – السلسلة الصحيحة - 588 ) 0
قال المناوي : ( " إن لكل شيء سناما " أي رفعة وعلوا استعير من سنام البعير ثم كثر استعماله حتى صار مثلا " وإن سنام القرآن سورة البقرة " أي السورة التي ذكرت فيها البقرة " من قرأها في بيته " أي في محله بيتا أو غيره وذكر البيت " ليلا " أي في الليل " لم يدخله شيطان " نكرة دفعا لتوهم إبليس وحده " ثلاث ليال " أي مدة ثلاث ليال " ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام " ) ( فيض القدير - 2 / 512 ) 0
(2) رقية ضد السحر والسحرة :
أ - عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( 00000 اقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة – أي السحرة - ) ( صحيح الجامع - 1165 ) 0
قال المناوي : ( " اقرأوا سورة البقرة " في بيوتكم أي في أماكنكم التي تسكنونها : بيتا أو خلوة أو خباء أو غيرها ولا تجعلوها قبورا أي كالمقابر الخالية عن الذكر والقراءة ، بل اجعلوا لها نصيبا من الطاعة ) ( فيض القدير – 2 / 66 ) 0
ب- عن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن ، فتعلموها ، فإن تعلمها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب المسافرين – برقم 252 ) 0
قال ابن التركماني وهو يسرد سيرة أحد شيوخه : ( وكان قد ابتلى الله تعالى هذا الشيخ العالم ببلاء آخر ، وهو شيطان من الجن ، رد على الشيخ في قراءته ، فلعنه الشيخ وكذبه ، فأخذ الشيخ في عين المعاداة ، فكان الشيطان إذا دخل الليل يرجف قلوبهم ويرمي عليهم الأحجار ، فشكا ذلك للمؤلف – فإنه كان من جنسه ومن طلبته - ، قال : يا بني ! يرمي علينا كل يوم قفتين 0 قلت له : فكان يكسر شيئاً من الأواني أو يصيبكم أنتم 0 قال : لا ، ولكن مراده أن يرجفنا 0 ويرميهم بالأحجار في وسط الدار ، وكان للشيخ سلم وفيه مسمار كبير ، فقومه الشيطان وأخرجه ورمى به في وجوههم ، قال الشيخ : وكان عندي صندوق مقفول وفيه كتب ، ففتح الصندوق ورمى كل ما فيه في وجوهنا ، وكان يأخذ الغزل من بين يدي الزوجة ويغيب ثم يرمي به على وجوهنا 0 قال المؤلف : فقلت له : أنا وفلان نجيء إلى بيت سيدي ونقرأ شيئاً من كتاب الله تعالى 0 فجئنا وقرأنا سورة البقرة بكمالها ، ثم دعونا الله سبحانه ؛ فصد الحق الشيطان ببركة القرآن ، وبعد ذلك ما قرب الدار ) ( اللمع في الحوادث والبدع - 436 ، 437 ) 0
ب - الرقية بآيات من سورة البقرة :
1- الرقية بالآية الثالثة والستين بعد المائة من سورة البقرة والآية ( 1 و 2 ) من سورة آل عمران :
عن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " وفاتحة ( آل عمران ) " ألم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ) ( صحيح الجامع – 980 ) 0
قال المناوي : ( " اسم الله الأعظم " قيل الأعظم بمعنى العظيم ، وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض ، وقيل هو للتفضيل لأن كل اسم فيه أكثر تعظيما لله فهو أعظم ، فالله أعظم من الرب فإنه لا شريك له في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها ، وأما الرب فيضاف للمخلوق " الذي إذا دعي به أجاب " بمعنى أنه يعطي عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا يرد لكونه بين إحدى ثلاث : إعطاء المسؤول في الدنيا أو تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن ، وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا ) ( فيض القدير - 1 / 510 ) 0
2- الرقية بآية الكرسي :
1)- في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - والحديث طويل والشاهد منه : ( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُو الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 255 ) حتى تختمها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ) ( صحيح الترغيب والترهيب – 658 ) 0
2)- عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أنه : ( كان له جرن فيه تمر وأنه كان يتعاهده ، فوجده ينقص ، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم ، فقلت له أجني أم إنسي ؟ قال بل جني ) وفيه أنه قال له ( بلغنا أنك تحب الصدقة وأحببنا أن نصيب من طعامك ، قال فما الذي يجيرنا منكم ؟ قال هذه الآية آية الكرسي ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : صدق الخبيث ) ( فتح الباري – 4 / 489 – وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ) 0
3)- عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - : ( أنه كانت له سهوة – ما كان بين الحائطين - فيها تمر ، فكانت تجيء الغول فتأخذ منه ، فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إذهب فإذا رأيتها فقل : بسم الله ، أجيبي رسول الله " 0 فأخذها ، فحلفت ألا تعود ، فأرسلها ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما فعل أسيرك ؟ " قال : حلفت ألا تعود 0 قال : " كذبت ، وهي معاودة للكذب " فأخذها فقال : ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني ذاكرة لك شيئا : آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره 0 فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما فعل أسيرك ؟ " فأخبر بما قالت 0 قال " صدقتك وهي كذوب " ) ( فتح الباري – 489 ) 0
قال المناوي في الغيلان : ( أي ظهرت وتلونت بصور مختلفة - قال في الأذكار: الغيلان جنس من الجن والشياطين وهم سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور 0 وقال غيره : كانت العرب تزعم أنها تتراءى للناس في الفلوات فتتلون في صور شتى فتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد نفى ذلك الشارع بقوله : " لا غول " لكن ليس المراد به نفي وجوده ، بل إبطال زمن إضلاله ، فمعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدا0 قال القزويني : وقد رأى جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه– حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف ، ويقال : إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه رجلا حمار ) ( فيض القدير - 1 / 318 ) 0
قال الشيخ مشهور حسن سلمان في تعقيبه على حديث أبي هريرة : ( ومعنى قول أبي هريرة – رضي الله عنه : " لأرفعنك " ؛ أي : لأذهبن بك أشكوك ، يقال : رفعه إلى الحاكم إذا أحضره للشكوى 0
وفي الحديث من الفوائد :
1- أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن 0
2- وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها 0
3- وأن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به 0
4- وأن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ولا يكون بذلك مؤمناً 0
5- وبأن الكذاب قد يصدق 0
6- وبأن الشيطان من شأنه أن يكذب 0
7- وأنه قد يتصور ببعض الصور ؛ فتمكن رؤيته ، وأن قوله تعالى : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) ( سورة الأعراف – جزء من الآية 27 ) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها 0
8- وأن من أقيم في حفظ شيء سمي وكيلاً 0
9- وأن الجن يأكلون من طعام الإنس 0
10- وأنهم يظهرون للإنس لكن بالشرط المذكور 0
11- وأنهم يتكلمون بكلام الإنس 0
12- وأنهم يسرقون ويخدعون 0
13- وفيه فضل آية الكرسي 0
14- وأن الجن يصيبون من الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه 0
15- وفيه أن السارق لا يقطع في المجاعة 0
16- ويحتمل أن يكون القدر المسروق لم يبلغ النصاب ، ولذلك جاز للصحابي العفو عنه قبل تبليغه إلى الشارع 0
17- وفيه قبول العذر والستر على من يظن به الصدق 0
18- وفيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيبات 0
19- وفيه جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها ) ( فتح المنان في جمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجان – 2 / 459 ، 460 ) 0
4)- عن أبي أسيد الساعدي - رضي الله عنه - : ( أنه لما قطع تمر حائطه ، فجعله في غرفة له ، فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسد عليه ، فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " تكل فاستمع عليها ، فإذا سمعت اقتحامها فقل : بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم " 0 فقالت : يا أبا أسيد اعفني أن تكفلني أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيك موثقا من الله لا أخالفك إلى بيتك ، ولا أسرق تمرك ، وأدلك على آية تقرأها على بيتك فلا خالف إلا أهلك ، وتقرأها على إنائك فلا يكشف غطاؤه 0 فأعطته الموثق الذي رضي به منها 0 وقال : الآية التي قلت أدلك عليها ؟ قالت : آية الكرسي ، ثم حلت استها تضرط 0 فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه حين ولت ولها ضراط 0 فقال : " صدقت وهي كذوب " ) ( فتح الباري – 4 / 489 ) 0
5)- عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – : ( أنه خرج إلى حائطه فسمع جلبة ، قال : ما هذا ؟ قال : رجل من الجن أصابتنا السنة ، فأردت أن أصيب من ثماركم فطيبوه لنا 0 قال : نعم 0 ثم قال زيد بن ثابت : ألا تخبرنا الذي يعيذنا منكم ؟ قال : آية الكرسي ) ( فتح الباري – 4 / 489 ) 0
6)- عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال : ( ضم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر الصدقة ، فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : هو عمل الشيطان فارصده ، فرصدته ، فأقبل في صورة فيل ، فلما انتهى إلى خلل الباب ، دخل من خلل الباب في غير صورته ، فدنا من التمر فجعل يلتقمه ، فشددت على ثيابي فتوسطته ، وفي رواية الروياني "فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت : يا عدو الله وثبت إلى ثمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك ، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك " وفي رواية الروياني " ما أدخلك بيتي تأكل التمر ؟ قال أنا شيخ كبير فقير ذو عيال ، وما أتيتك إلا من نصيبين ، ولو أصبت شيئا دونه ما أتيتك 0 ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها ، فإن خليت سبيلي علمتكهما 0 قلت نعم ، قال آية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله آمن الرسول إلى آخرها ) ( فتح الباري – 4 / 488 ) 0
7)- قال عبدالله بن مسعود : ( لقي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن ، فصارعه ، فصرعه الإنسي ، فقال له الإنسي : إني لأراك ضئيلاً شخيتا – أي نحيف دقيق الجسم - ، كأن ذريعتيك ذريعتي كلب ، فكذاك أنتم معشر الجن ؟ أم أنت من بينهم كذلك ؟
قال : لا والله ، إني منهم لضليع – أي عظيم الخلق - ، ولكن عاودني الثانية ، فإن صرعتني ، علمتك شيئاً ، ينفعك 0
قال : نعم 0
قال : تقرأ : ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 255 ) 0
قال : نعم 0
قال : فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج – أي ضراط - ، كخبج الحمار ثم لا يدخله حتى يصبح 0
وزادوا :
قال : فقيل لعبد الله : أهو عمر ؟ 0
قال : ومن عسى أن يكون إلا عمر ؟ ) ( مصنف ابن أبي شيبة - 12 / 34 ) 0
8)- عن بريدة قال : ( كان لي طعام فتبينت فيه النقصان 0 فكمنت في الليل ، فإذا غول قد سقطت عليها ، فقبضت عليها ، فقلت : لا أفارقك حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم 0 فقالت : إني امرأة كثيرة العيال ، لا أعود 0 فجاءت الثانية والثالثة ، فأخذتها 00 فقالت : ذرني – ةأي دعني - 00 حتى أعلمك شيئاً إذا قلته لم يقرب متاعك أحد منا00 إذا أويت إلى فراشك فاقرأ على نفسك ومالك آية الكرسي 00 فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " صدقت 00 وهي كذوب " ) ( أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " – باب ما جاء في الشيطان الذي أخذ من الزكاة – 7 / 111 ) 0
قال الحاكم في " المستدرك " عند حديث أبي أيوب : ( هذه الأسانيد إذا جمع بينهما صارت حديثاً مشهوراً ، والله أعلم ) ( المستدرك على الصحيحين - 3 / 459 ) 0
قلت : بالنسبة لبعض الأحاديث السابقة التي ذكرها ابن حجر – رحمه الله - لم أقف على مدى صحة بعضها ، وقد أوردتها كما بينها الحافظ بن حجر في كتابه فتح الباري ، ولو ثبت ضعف هذه الأحاديث أو أي منها ، فمعناها صحيح لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وهو المعنى نفسه الذي تدل عليه الأحاديث آنفة الذكر ، كما أن الجمع بين هذه الأسانيد تصبح حديثاً مشهوراً كما أشار لذلك الحاكم في مستدركه والله تعالى أعلم 0
3- الرقية بأواخر سورة البقرة :
1)- عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) ( متفق عليه ) 0
قال ابن القيم : ( الصحيح كفتاه شر ما يؤذيه ) ( الوابل الصيب – ص 25 ) 0 0
قال النووي في معنى كفتاه : ( قيل معناه : كفتاه من قيام الليل ، وقيل من الشيطان ، وقيل من الآفات ، ويحتمل من الجميع ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 4 ، 5 ، 6 / 417 ) 0
قال المناوي : ( أي أغنتاه عن قيام تلك الليلة بالقرآن وأجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا ، هبه داخل الصلاة أم خارجها ، أو أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا ، أو وقتاه من كل سوء ومكروه وكفتاه شر الشيطان ، أو الآفات أو دفعتا عنه شر الثقلين ، أو كفتاه بما حصل له بسبب قراءتهما من الثواب عن طلب شيء آخر ) ( فيض القدير – 6 / 197 ، 198 ) 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : ( والمعنى والله أعلم كفتاه من كل سوء ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 51 ) 0
2)- عن حذيفة - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي ) ( صحيح الجامع – 4223 ) 0
قال المناوي : ( قال الطيبي : هذه الخصال من بعض خصائص هذه الأمة المرحومة ، ثنتان منها لرفع الحرج ووضع الإصر كما قال تعالى : ( وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) ( سورة البقرة – الآية 286 ) وواحدة إشارة إلى رفع الدرجات في المناجاة بين يدي بارئهم صافين صفوف الملائكة المقربين كما قال : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) ( سورة الصافات – الآية 165 ، 166 ) وقال الخطابي : إنما جاء على مذهب الامتنان على هذه الأمة ، فإنه رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة عليها في بقاعها ، وكانت الأمم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم 0 وقال الأشرفي فيه : أن الصلاة بالتيمم لا تجوز عند القدرة على الماء 0 وقال البغوي : خص التراب بالذكر لكونه طهورا ) ( فيض القدير - 4 / 441 ) 0
3)- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا هاتين الآيتين اللتين في آخر سورة البقرة فإن ربي أعطانيهما من تحت العرش ) ( صحيح الجامع - 1172 ) 0
4)- عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله : ( إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، وهو عند العرش ، وإنه أنزل منه آيتين ، ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان ) ( صحيح الجامع - 1799 ) 0
قال المناوي : ( " ولا يقرأن في دار " يعني مكان دارا أو خلوة أو مسجدا أو مدرسة أو غيره " ثلاث ليال " في كل ليلة منها ، وكذا في ثلاثة أيام فيما يظهر : وإنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانتشار الشياطين " فيقربها شيطان " فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى ) ( فيض القدير – 2 / 348 ) 0
* قال علي بن أبي طالب : ( ما كنت أرى أحدا يغفل قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة ) ( صحيح الوابل الطيب – ص 173 ) 0
* عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : ( من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثاً من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرآن على مجنون إلا أفاق ) ( أخرجه الدارمي في سننه – 2 / 448 ، و " الإتحاف " – 5 / 133- ولم أقف على مدى صحة الأثر إلا أن معناه صحيح ، حيث أنه قد ثبت الرقية ببعض الآيات الواردة في الأثر ، إضافة إلى أن القرآن كله خير وشفاء ورقية ) 0
هذا ما تيسر لي بخصوص عرض النصوص وأقوال علماء الأمة والباحثين في الرقية بهذه السورة العظيمة ، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أ[center]